العرس القسنطيني عادات تأصلت و أخرى ظلمها الزمن

العرس القسنطيني


العرس أو الحفلة أو الوليمة هي من أحد المكونات الثقافية و الحضارية للدول التي تجسد حضارة امة و عاداتها و تقاليدها فيمتزج التعاليم الدينية مع العادات  التي تركها الأجداد من أجل بلورتها و تداولها بين الأجيال ولم تكن الجزائر طبعا في غنى عن الموروت الحضاري الذي تراكم مع تعاقب الحضارات حيث جسد بطاقة هوية لكل ولاية .و قسنطينة باعتبارها عاصمة للشرق الجزائري فتحوز على جانب ثري و مميز لأعراسها و سنحاول في هذا المقال تقديم عادات وتقاليد الولاية فيما يخص العرس أو الزواج القسنطيني
تمر الأعراس القسنطينية بعدة مراحل بدأْ من يوم الثلاثاء و هو يوم قدوم النعجة ( أنثى الكبش أو كما يعرف بالشاة )  إلى بيت العروس إلى غاية يوم الجمعة و هو الغداء المقام بين أهلي العروس و العريس .

شاة الدفوع أو شاة الحلال

تكون يوم الثلاثاء ضباحا حيث يأتي رجلين او أكثر من أهل العريس رفقة كبش الدفوع ، أو ما يسمى بالعامية ”بشاة الحلال” و التي عادة ما ترفق بمواد غذائية ضرورية كالزيت والسمن، و هناك من يقدم السميد أو الدقيق والطماطم وغيرها من المواد التي تستخدم في غذاء أو عشاء العروس.
 و هنا يقوم الأهل بذبح الشاة و تحضير عشاء للحضور و الجيران و عادة ما يتم تحضير طبق الكسكسي مع " العصبانة "

حمام العروس

صبيحة يوم الأربعاء وقبل يوم من الزفاف، تتجه العروس رفقة صديقاتها وقريباتها أو حتى أخواتها من الفتيات غير المتزوجات إلى الحمام المحجوز سلفا، وتخرج العروس من بيت أهلها وهي ترتدي الحايك  وسط الزغاريد، وتحمل معها كل لوازم الحمام، وبمجرد وصولها، تبدأ النسوة في الزغاريد، وقبل دخولها تقوم مرافقاتها بإشعال أربعة شموع تضعها في زاوية الحمام.ومن بين الطقوس القديمة التي اندثرت اليوم، هي قيام بعض النسوة بطلي الحنة على الجدران قبل نزع العروس ثيابها، لترتدي الفوطة، وعموما تقوم قريباتها بمساعدتها على الاستحمام كنوع من الدلال، وهن يؤدين الأغاني، وعادة ما يدفع أهل العريس ثمن الحمام بعد الاستحمام، تقوم الفتيات بتحضير صينية القهوة للحاضرات رفقة الحلوى و مرش ماء الزهر، الذي ترش به مختلف أنحاء الحمام، لتعود بعدها إلى بيت أهلها، ويكون لهذه الليلة وقع خاص عند أهل الفتاة، باعتبارها آخر ليلة تقضيها معهم، حيث يقومون بدعوة الأقارب للعشاء وحضور الحنة التي تقام في آخر الليل.

جهاز العروس أو ما يعرف بالشورة مرفقا بالعشاء

لازالت الأسر القسنطينية محافظة على عادة ترتيب الشورة ، إذ تقوم العروس رفقة أهلها وصديقاتها بتحضير جهازها بوضعه في أحسن الحقائب لأخذه إلى بيت الزوجية، الذي يصادف يوم الأربعاء مساء بعد صلاة العصر، ومن أهم الأشياء التي يجب أن تكون بجهازها الأفرشة وتحديدا المطارح التي تصنع بالصوف، وتكون ملونة ومزينة بطريقة فنية وإبداعية وهي ضرورة لا غنى عنها، إذ تزين العروس بيتها الزوجي بها، دون أن ننسى الوسائد والستائر، والأواني النحاسية التي تعد من أهم المستلزمات التي تأخذها معها على غرار الصينية، والمحبس النحاسي، إضافة إلى القصعة والطفاي ” يشبه مرش العطر”.ومن جملة ما تحويه الشورة أيضا، الألبسة التقليدية التي يصل عددها إلى7 فساتين على غرار الجبة القسنطينية و”المعروفة بالقطيفة” وكذا الشامسة ، الكوكتال وغيرها من الألبسة الأخرى بألوان متعددة، زيادة على الأحذية الملونة التي تخصص للباس التقليدي و أخرى للباس العادي . أمّا أهم شيء في جهاز القسنطينية فهو الذهب، فمن الضروري أن يكون لديها بعض الحلي التقليدية كالمحزمة و”المقياس” والمسايس” والأساور.
بعد أن تصل الشورة إلى بيت الزوجية، يقوم أهل العروس بتحضير العشاء من خلال تجهيز أشهى الأطباق التقليدية للمدعوين، ومن بينها " الجاري" أو ما يعرف بشوربة الفريك، وطاجين الشواء وهو عبارة عن طبق من اللحم، والدجاج وكذا اللحم المفروم، زيادة على طبق الشخشوخة وطبق اللحم الحلو.

الحنة ليلة مميزة في بيت العروس

بعد الانتهاء من وليمة العشاء، ترتدي العروس قندورة القطيفة، استعدادا لقدوم أهل العريس ليضعوا لها الحنة أو ما تسمى ”بالجرية”، وتضع فوق رأسها ما يعرف”بالدراية” التي تحمل اللون الأصفر أو الأبيض، كما ترتدي حليها الذهبية، ومن طقوس وضع الحنة، أن تحمل كل من قريباتها وقريبات الزوج شمعة طويلة، ويرتدين اللباس التقليدي ”الفرقاني”، حيث تقوم أخت العريس أو إحدى أقاربها من الفتيات غير المتزوجات رفقة واحدة من أهل العروس، بمرافقة العروس إلى مكان الحنة وهما يحملان شمعتين طويلتين، ثم تقوم بعدها أم العريس، أو عمته، أو خالته بتحضير صينية خاصة تسمى بصينية الحنة تحتوي على مرش نحاسي، الحليب وماء الزهر، وطبق من النحاس توضع فيه الحنة، إضافة إلى المكسرات وحلوى "الدراجي" ، ثم تقوم بعدها واحدة من أهل العريس بخلط الحنة بواسطة الحليب وماء الزهر الذي يعتبر رمزا لطيبة وصفاء نفس العروس، إضافة إلى ماء الزهر، لتكون ذات حظ وافر وتزينها بقطع السكر، تضع الحنة للعروس في شكل دائري وفوقها "لويزة من ذهب"، وتلبس قفازا في جو تملأه الزغاريد، حيث تقوم النساء الكبيرات بالسن بالتقدام ”وهو أداء أغاني مرافقة للحنة من التراث الجزائري”. بعد الانتهاء من الحناء، تأتي عملية الرشق، حيث تقدم أم العريس مبلغا من المال يضاف إلى الهدية الذهبية التي يتم الاتفاق عليها مسبقا، وتقوم أحد أقارب العريس بعرض هدية ”الجرية” أمام الحضور، وهي عبارة عن نوعين من اللباس التقليدي أو القماش الذي يحمل اللون الأبيض والوردي، زيادة على نوعين من الأحذية والملابس الداخلية. بعدها تقوم أم العروس بغسل طابق الحنة مخافة السحر وهو قول شائع بقسنطينة، تم تقدم القهوة مرفقة بمختلف أنواع الحلويات كالقطايف، المقروط وطمينة اللوز التي تشتهر بها عاصمة الشرق، إضافة إلى ما يأخذه أهل العريس معهم، كبعض الحلويات وأهمها ”حلوة الترك”،”البقلاوة” أو التمر والمكسرات.

العرس القسنطيني في يومه الأخير

العرس القسنطيني

عادة ما يكون يوم العرس هو يوم الخميس، حيث تقوم العروس في الصباح الباكر متوجهة رفقة صديقاتها إلى الحلاقة للتزيّن، بعدها يأتي الموكب مكوننا من عدد كبير من السيارات، تتقدمها سيارة العروس التي تكون مزينة بالورود، ليقوم العريس بإخراج عروسه من بيت أهلها إلى سيارته وسط فرحة كبيرة للأهالي، وتحت أنغام فرقة الهدوة أو العيساوة، ليتجه الموكب إلى بيت أهله أين تكون أمه والحاضرين في انتظارهم، وبمجرد نزول العروس من السيارة، تقدم لها أم العريس الحليب والحلوى.
بعدها تقوم العائلة بتحضير وجبة العشاء، أو ما يسمى بعشاء العريس مكونا من أطباق تقليدية كالشوربة والمحور أو طاجين الشواء، وطبق الحلو، وفي ذات الليلة توضع الحنة للعريس بعد وجبة العشاء. للاشارة فقط طرأت تغييرات عميقة على العرس القسنطيني جردته من حيويته و نشاطه و أيضا من ثرائه .


موقع سيرتا كاب 

إرسال تعليق

 
Top