بقايا من ذكريات الــعـروبة
حين تأخذنا ذاكرتنا
السمعية والمقروءة لنتفحص حقيقة بعض الحكم التي قيل لنا أنها عربية ومنها "
رب أخ لم تلده لك أمك " وأخوك أخوك لا يغرك صاحبك "، فالأولى تقول أساطير العرب بخصوصها أن قائل هو أبو ليلى المهلهل
وكان يقصد صديقه أمرؤ القيس عندما أخذه إلى بيته وقال له كل هذا السلاح لك والمال
لتشتري به ضمائر الرجال إذا خذلوك، وذلك بعد أن وافق على مشاركته الحرب التي كان
سيعيد الزير اشعالها من جديد بعد استعادته لذاكرته انتقاما لأخيه "كليب"
المغدور، أما الثانية فلا يعرف لها قائل ولا رواية عكس الأولى سوى كونه مثل شائع
في إحدى البلدان الخليجية، فهل يحق لنا أن ننكر عروبتها خاصة بالنسبة للحكمة
الأولى وما تحمله من شواهد على عروبة الزمان والمكان الذي خلقت فيه، وفي عملية بحث
عن اجابة قد تكون منطقية تتجلى عدة آراء مختلفة واحد منها ينطلق من حال العرب في
هذا الزمان، وبالتأكيد فالإجابة تقول أنه لنا الحق، بل كامل الحق في التشكيك
فالزير اشعل حرب 40 سنة ذاع صيتها بين العرب انتقاما لأخيه المغدور والمطعون في
الظهر ولم يكتفي بقتل قاتله للأخذ بثأره فأخاه لا يعادل قبيلة بأكملها، وصديقه
امرؤ القيس شاركه ووقف الى جانبه ووضع ماله وروحه تحت تصرفه، فكيف لنا أن نصدق أن
هاته الرواية والحكمة عربية اذا نظرنا لحال هاته الأمة التي زاد عددها وزاد مالها،
وفي المقابل زاد تشتتها وشرذمتها و ياليته بقي تشتتا وشرذمة لكان الأمر أهون و
أرأف ووقعه أرحم على ما عليه الحال الأن، فأمة كانت تتغنى بمكارم الأخلاق والصدق
والوفاء والشجاعة والرجولة تخلت عن كل شيء وأصبحت تبيع قيمها وتخلى الأعراب عن
حميتهم ليتركوننا نتسائل هل دمائهم تحولت إلى ماء أم ماذا؟ امتحان غزة كان حجة هذا
الرأي كيف لبني يعرب أن يستميتوا في الدفاع عن عدو أشقائهم عن من يذبحهم وينكل بهم
و من يستبيح دماء أطفالهم ونسائهم كيف لإعلامهم أن يكمل ذبحهم ويبرر قتلهم وينصر
عدوهم ويواصل أفراحه فرحا بحزنهم، كيف لرجالهم أن يغامروا بأنفسهم من أجل فتح عيون
عدوهم ، كيف لهم أن يبيعوا شرفهم بالخداع والكذب والتمثيل خدمة لمغتصب مقدساتهم
كيف لهم منعهم من تخفيف ألامهم ومعالجة جراحهم، كيف لهم أن يصروا على تجويعهم في
الوقت الذي تخرج فيه المظاهرات من قبل غير العرب في أوربا وإيران وتركيا وأمريكا
الجنوبية ، و في الوقت الذي يسحب الأجانب سفراءهم من دولة الاحتلال يتلذذ الحكام
العرب بالنظر لوجوههم وهم الذي الفوهم، فلم يقووا على فراقهم فلنا الحق وكامل الحق
في التشكيك في عروبة هاته الحكمة، وإذا كان هناك اصرار على عكس ذلك فلنا ان نتوصل
الى حل وسطي بتعديلها الى "رب قوم لا يربطك بهم شيء "، فغزة اسقطت كل معاني العروبة والأخوة في الدين واللغة والدم ،
فكانت بحق مقبرة للعروبة ويا ليت أن التاريخ يتجاهل كتابة حقائق هذا الزمن المفجع
لكن للأسف فهو لا يرحم وقلبه أشد قسوة من قلوب عرب هذا الزمان . أما الرأي الاخر فإن قوت حجته في تأكيد هوية الحكمة فان أصحابه ربما
سيفشلون حتما في تأكيد هوية من يدعون العروبة هذا الزمن، وإذا نجحوا فلا يمكن
القول سوى أن رجال المقاومة هم من ينتصرون للعروبة ويدافعون عن ما تبقى للأمة من
شرف .
إرسال تعليق