ستينية تدمر أولادها خوفا من بطش زوجها و انتقامه
أثناء زيارتي لإحدى القريبات في ولاية
باتنة وجدت عندها سيدة في الستينات من العمر ، علامات البؤس والشقاء بادية عليها
ولكن مع طيبة ممزوجة مع الحزن ، سيدة فعل الزمان بها ما فعل ، حيث كشف ذلك
الأخاديد التي صنعتها المشاكل التي تعرضت لها منذ أن دخل ذلك الشقي الكبير حياتها
، نعم إنه زوجها. كنت أنا وقريبتي نتحدث عن قريبة لنا تقدم شخص لخطبتها وهو عاطل
عن العمل وهي موافقة ما يهم قريبتنا هو ان تتزوج أيّا كان يتقدم لخطبتها،و أن لا
تعيش مع زوجات الإخوة وأن لا يقول عنها الناس عانس. بينما نتحدث إذ بالجارة تنهدت
من اعماقها وقالت لنا: يا بناتي قال الرّسول صلى الله عليه وسلم:‘‘ إذا جاءكم من
ترضون دينه وخلقه فزوّجوه’’.الفكرة ليس أن تتزوجن ولكن بمن تتزوجن .هذه الفكرة
السائدة في مجتمعنا هي أن الرّجل لا يعاب والبنت مصيرها بيت زوجها وكما يقول المثل
المصري:'ضل راجل ولا ضل حيطة'دمرت و شردت العديد من العائلات.في مجتمعنا ما يهم
المرأة أن لا تبقى ابنتها سجينة زنزانة العنوسة. لا تعلم الأم أنّ هذه الأخيرة
أرحم بكثير من زوج خلق أو كلّف لتعذيبها بجدارة واستحقاق. وأنّ زواج أصله فاسد
فرعه سيكون فاسد لامحالة.زوج فاسد سيكون أبا فاسد يورّث طباعه لأولاده. أنا شخصيا بدأت
مأساتي يوم زفافي من قريبي الذي يكبرني بسنة الذي تقدمت أمه لخطبتي وقبلت أمي
بدورها بدون تردّد ضاربة رأيي عرض الحائط رغم رفضي القاطع لهذه الزيجة. ليس لأنّ
العريس فقير أو ليس بوسيم. كانت علامات الإجرام بادية عليه من الوهلة الأولى ذو
عينان براقتان مثل عيني ذئب. بعد مرور ست أشهر عن الخطبة, جاء يوم النّكبة'يوم
زفافي' اليوم الذي أقبرت فيه ابتسامتي, اغتيلت فيه أحلامي, اغتصبت فيه براءتي.يوم
زفافي ما كان إلاّ يوم بيع جسدي في سوق النّخاسة لغول يجيد فنّ التعذيب والتجويع
حيوان شره يجهل أبجديّات المعاشرة الزوجية. بعد زفافي ببضع أيّام اكتشفت أنّ زوجي
المصون ما هو إلاّ مجرم ذو سوابق عدلية, عاطل عن العمل, ابن عاق لوالديه العجوزين,
متجبّر,ضالم, لصّ محترف, زير نساء من النّوع الخاص.... يضحّي بالنّفس والنّفيس
سبيل قضاء ليلة واحدة بين أحضان ساقطة, كم كان بحبوحا كريما مع خليلاته. ينفق كل
عائدات السّرقة عليهن. أتذكّر قصّة تلك التي حملت في أحشائها بذرة الخطيئة من
عشيقها الذي تنصّل من مسؤوليّته وتبرّأ من حملها لم تجد سوى زوجي الطماّع لينسب
ابنها الغير الشرعي له مقابل دريهمات بخسة. بينما كانت هي تدلّل وتتغنّج كنت أنا وأبنائي نداس بالأقدام ونسوّط
بالسيّاط.ما أبشع لحضات الخيّانة حين توثّق أثناء حضورنا والشّاهد الوحيد أعيننا
والمكان سريرنا.حياتي مع هذا البائس كانت تشبه المسلسلات كل يوم حلقة جديدة مع
بطلة جديدة وفي كل حالة أنا وأبنائي الضّحايا نجوع ونشرّد ونهجر ولكن ما يحزّ في
نفسي أكثر أنه حينما ينهي نقوده وتهجره صاحباته يرجع إلي. كم يزيد حينها مقتي له,
كنت أغضّ الطّرف عن خياناته.تحملّته وحقارته من أجل أبنائي خوفا من حرمانهم من دور
الأب في حياتهم أو خوفا أن يكونوا عبئا أو عالة على أحد. لم أكن أعلم أنّه كان
يجدر بي أن انتشل أبنائي من مستنقع الإجرام والرذيلة. تمرّ الأعوام والسّنين يكبر
الأبناء وتكبر الهموم معهم . في السنين القليلة الماضيّة, زج ّبزوجي إلى السّجن جرّاء إخفاء أشياء
مسروقة.لم يترك وراءه إلاّ الخزي والعار, كلام الناس و أبناء قصّر أربعة.لم يكن لي
عائل إلا أبي ذاك الرجل النّادر أو ابني البكر ذو 17 شمّر عن ساعديه واشتغل ليل
نهار في إحدى ورش البناء لتلبية حاجاتنا. أمّا ابني الآخر كان وقتها في سن المراهقة بدل من إن اعتني به كنت
ألهث في المحاكم ووراء القضبان لتتبع قضية زوجي وزيارته في السجن. لم يكن هذا حبا
أو طواعية وانما خوفا من انتقامه مني حينما يطلق سراحه. وابني المراهق مع أصحاب
السوء يتعاطى الكحول ويدمن المخدرات وأنا اخر من يعلم. بعدها خرج زوجي من السجن
وسجن ابني المراهق وانحرف ابني الأكبر كذلك بنت الوحيدة المثقفة لم يتقدم أحد
لخطبتها برغم حسن خلقها وسلوكها. لا أدري إن هذا نصيب أو لسوء سمعة أبيها وإخوتها.
كل تضحيّاتي التي عشت لأجلها ذهبت مهبّ الريح. لا بيت ولا أولاد, أسرة ضائعة من
كبيرها لصغيرها .قال عبد الحميد ابن باديس:"إذا صلحت المرأة صلح
المجتمع" وأنا بدوري أقول إذا صلح الأب صلحت الأسرة لأنّ الأسرة تبنى بتكاتف
الأب والأم سويّا وليس بهذا أو ذاك فقط. في حياتي هذه, جنيت إلاّ الجراح والعذاب
من نعومة أظافري إلى هرمي ,سئمت الحياة الدّنيا فأنا طامعة في الحياة الآخرى بقيت
لي أمنيتين فقط هما أن اختم كتاب الله العزيز وان أزور البقاع المقدسة . ما استطيع قوله لكما
كنصيحة من امراة ذو تجربة ، لا تستعرن بالعنوسة فانا اعتبر العنوسة أشرف من أن
أعيش حياة مثل هذه.بناتي نصيحتي لكما اختارا الرّجل المستقيم الذي يخشى الله يعرف
ماله من حقوق وما عليه من واجبات ففي كل الحالات لن يسىء لكما.
أجرت المقابلة : صباح مليلي
إرسال تعليق